دعم النظريات المحلية في مواجهة النظريات الغربية
وفقاً لمركز الاتصالات والعلاقات الدولية، أُقيم حفل إحياء أسبوع البحث العلمي والكشف عن النظريات الناجحة يوم الثلاثاء 17 ديسمبر، بحضور كبار القادة العسكريين والمسؤولين المدنيين في جامعة الدفاع الوطني.
وفي هذا الحفل، قدّم حجة الإسلام والمسلمين عبد الحسين خسروبناه، أمين المجلس الأعلى للثورة الثقافية، شرحاً وافياً، مشيداً بالمبادرة وطرح النظريات الجديدة في جامعة الدفاع الوطني العليا، وفيما يلي نص كلمته:
عندما بدأ الحديث عن صياغة النظريات، ظهرت نقاشات متنوعة في الجامعات، وكثيرون لم يصدقوا إمكانية تحقيق مثل هذا اليوم. لم يكتفوا بعدم التصديق بل أنكروا إمكانية ذلك تماماً. لم يؤمنوا بإمكانية صياغة النظريات، وقالوا إننا نحتاج ثلاث سنوات لفهم نظريات غيدنز وبارسونز وهابرماس وفلسفة كانت وديكارت وسبينوزا وماليبرانش، وربما نحتاج مائة سنة من العمر العلمي لفهم توزيعها.
لكن عُقدت جلسات متعددة، وتشكلت جرأة التفكير، ثم تطورت النقاشات في فلسفة العلم وغيرها من المجالات. والحمد لله، كانت المؤسسات العسكرية والدفاعية والأمنية من بين المؤسسات العلمية في البلاد التي استطاعت، من خلال عقد عشرات المنابر الترويجية ومنابر صياغة النظريات، أن تقدّم اليوم أربع نظريات ناجحة.
هذه النظريات الأربع المقدمة اليوم، تبدو ظاهرياً كأنها مجرد نظريات قدّمها باحثون، وناقشتها لجان النقد والتحكيم في جلسات متعددة بنقد صارم وموضوعي. لكن لهذه النظريات ظاهر وباطن. باطنها هو عمر التفكير والتدريس والبحث لهؤلاء الأساتذة الأفاضل. لقد اطلعت باختصار على بعض هذه النظريات. إحداها قدّمها اللواء صفوي، الذي قضى عمراً في القيادة خلال حقبة الدفاع المقدس، ولديه دراسات جامعية وبحثية. هذه نظرية إبداعية يمكن للدول الأخرى الاستفادة منها. وكذلك نظرية "عين البصير" للإشراف الاستخباراتي الحديث، وهي قضية مهمة ومحورية قدّم فيها الدكتور علي زاده والدكتور عباسي جهوداً كبيرةً. ونظرية "الفضاء الجيوسياسي للقوة الجوية" التي قدّمها الدكتور نصير زاده، صاحب الخبرة الطويلة في فترة الدفاع المقدس والإدارة والعمل القيادي والتدريس والبحث والمؤلفات المتعددة. وأخيراً نظرية "حق المواطنين في الأمن الأخلاقي" التي قدّمها الدكتور محسن إسماعيلي.
في تحليل أسباب نجاح هذه النظريات، رصدتُ ثلاثة عوامل رئيسية: العامل الأول هو "العامل المعرفي". فمن يرغب في صياغة النظريات يجب أن يدرك ماهية النظرية، وأن يُلمّ بأنواعها الوصفية والتوجيهية والأساسية والتطبيقية، وأن يفهم الأسس النظرية ومنهجية النظرية وعناصرها. وإلى جانب التمكن من المعرفة التي يريد تقديم نظرية فيها، عليه أن يكون مُلماً بفلسفة ذلك العلم المحدد وتاريخه.
العامل الثاني هو العامل النفسي، أي امتلاك الجرأة على التفكير والنقد. وكما ذكرتُ سابقاً، اعتقد البعض أننا بعيدون كل البعد عن صياغة النظريات، وأصروا على ضرورة فهم النظريات الغربية أولاً. نعم، من يريد تقديم نظرية ثقافية في مواجهة نظريات فوكو وهابرماس وغيدنز وبارسونز، يجب عليه حتماً أن يفهم تلك النظريات. ومن يريد تقديم نظرية في مجال الحوكمة، لا بد أن يكون مُلماً بنظرية الشبكات ونظريات الحوكمة الأخرى، ليتمكن من توضيح ما يميّز نظريته عن غيرها. بالتأكيد يجب فهم نظريات الآخرين، لكن جرأة التفكير والنقد تتطلب عاملاً نفسياً. ومن دون هذا العامل النفسي، لن يتم التقدّم. كما يجب توفر عوامل تحفيزية ودعم قانوني. فإذا تم قبول نظرية ما، يجب إدراجها في الكتب الدراسية، ونشرها عالمياً، وترجمتها إلى لغات مختلفة.
أما العامل الثالث فهو العامل الاجتماعي. فكما أن نظريات هؤلاء الأساتذة هي نتاج سنوات من التدريس والبحث وكتابة المقالات والإشراف على الأطروحات المتعددة والخبرات العملية، فإن صياغة النظريات تتطلب حتماً خبرةً عمليةً. لذلك، من الأهمية بمكان أن يستفيد صائغ النظرية من خبرته العملية في إنتاج نظريته، وأن يعرضها للنقد. على سبيل المثال، كانت فكرة المنابر الترويجية فكرتي. وعندما كنت مسؤولاً عن تنظيم هذه المنابر، عارض الكثيرون حتى مجرد استخدام مصطلح "صياغة النظريات".
وأؤكد الآن للمسؤولين عن هيئة دعم المنابر، ألا يجعلوا المنابر الترويجية صعبةً بحيث تفقد فائدتها عاماً بعد عام. دعوا أي باحث لديه مقالة، حتى لو لم تُنشر بعد، ولديه فكرة أو طرح علمي، أن يعرضها للنقد.
إن أحد شروط الحوكمة والعلوم والتكنولوجيا وإنتاج المعرفة هو التيسير، لكن يجب ألا نطلق بسهولة مصطلح "النظرية". وعندما يعلن شخص أن لديه فكرة يريد عرضها للنقد، فلندعه يخضعها للنقد. إن أفضل طريقة للرد على الشبهات هي عقد المنابر الترويجية، وبالتالي فإن عرض النظريات للنقد، يمكن أن يكون من العوامل الاجتماعية المحققة للنظرية. نأمل أن يتحقق هذا بهمة الأعزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليقكم :